الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
وكان سافر أيضًا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك. ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعـد واقعـة بيـت محمـد بـك الدفتـر دار ولمـا قتـل والـده علـي بـك مـع استاذ محمد بك أجتمع الأمراء والاختياريـة ببـاب الينكجريـة وأحضـروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيـه وجرى ما جرى على أخصامهم. وطهر شأن المترجم ونما أمره وأشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معـه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربًا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك. ومـات علـي بـك الدمياطـي ومحمـد بـك قتـلا فـي اليـوم الـذي قتـل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولايـة محمـد باشـا راغـب كمـا تقـدم ومحمـد بـك المذكـور مـن القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمـر بـك ابـن علـي بـك المذكـور فقلـده الصنجقيـة وسافـر بالخزينـة عوضـًا عنـه سنـة سبع وخمسين ومائة وألف. ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كا ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين وإذا بجماعة من أتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو مـن الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهـم طائفة وشالوه ودفنوه في صبحها. وأرسل رضوان كتخدا عرف إبراهيم جاويش بذلك فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة. ومات علي كاشف قرقوش وهو من أتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشة الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلـس عنـد قنطـرة سنقـر وإذا بإنسـان جائـز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله فقتله والله أعلم بالحقائق. في ذكر حوادث مصر ابنداء من سنة 1162 في ذكر حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والأمكان ومالا يدرك كله لا يترك كله. فنقول لما عـزل الجنـاب المكـرم حضـرة محمـد باشـا راغـب فـي الواقعـة التـي خـرج فيهـا حسـن بـك الخشـاب ومحمـد بـك اباظـة ونـزل مـن القلعـة إلـى بيـت دوعزجـان تجـاه المظفر كما تقدم ثم سافر في ولاية أحمد باشا المعروف بكور وزير ووصل حضرة الجناب الأفخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغرسكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخـدا الجاويشيـة وأغـات المتفرقـة والترجمـان وكاتـب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هنـاك فأرسـل عمـر بـك لكتخـداه حسـن أغا المذكور بان يستمر في المنصب عوضًا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر وأستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر احمد باشا المذكور إلى إسكندرية فحضر إلأيه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركـوب أغواتـه وأتباعه والجمال لحمل أثقاله وقدم له تقادم عمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه حاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية أستاذه وأعطاه بلاده من غيـر حلـوان وذلـك قبـل وصـول الملاقـاة. ووصـل خبـر ذلـك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فأغتاظ فسكتوا ووصل إلى رشيد وأجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها أحمـد باشـا وحضـر إلـى مصـر وطلـع بالموكـب المعتـاد إلـى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا لـه المدافـع والشنـك مـن أبراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الأمراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصر وأمارتها إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو الذي عرف بالغزاوي صنجقيًا وكذلك حسين أغـا وهـو الـذي عـرف بكشكش. وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمـد آغـا خازنـداره صنجقيـًا فصـار لكـل واحـد منهمـا ثلاثـة صناجـق هـو عثمـان وعلـي وحسيـن الابراهيميـة واسمعيـل وأحمـد ومحمـد الرضوانية. ثم أن إبراهيـم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة أشهر وأنفصل عنها. وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلـي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطـل الخماميـر. وسيأتـي تتمـة ذلـك فـي ترجمتـه سنـة وفاتـه. وأقـام أحمـد باشـا فـي ولاية مصر إلـى عاشـر شـوال سنـة 1163 وكـان مـن أربـاب الفضائـل ولـه رغبـة فـي العلـوم الرياضيـة ولمـا وصـل إلـى مصـر وأستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبـد اللـه الشبـراوي شيـخ الجامـع الأزهـر والشيـخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلـوم فتعجب وسكت. وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كـل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتـي إلـى الباشـا فـي خواصـه فيخطـب الشيـخ ويدعـو للسلطـان وللباشـا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلـى مجلسـه وينـزل الشيـخ إلـى داره. فطلـع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستأذن ودخل عن الباشا يحادثه فقال له الباشا: المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصـر منبـع الفضائـل والعلـوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتهـا وجدتهـا كمـا قيـل تسمـع معـدن العلـوم والمعـارف. فقال: وأين هي وأتنم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئًا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد. فقال له نحن لسنا أعظم علمائها وأنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أربـاب الدولـة والحكـام وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار. فقال له: وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هـو مـن شـروط صحـة العبادة كالعلم بدخول الوقت وأستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلـك. فقـام: نعم مرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة حسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك. فقال: وأين البعض فقال: موجودون في بيوتهم يسعى إليهـم. ثـم أخبـره عـن الشيـخ الوالـد وعرفـه عنـه وأطنـب فـي ذكـره فقـال: التمـس منكـم أرسالـه عندي. فقال: يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت أمري. فقال: وكيف الطريق إلى حضـوره. قـال: تكتبـون لـه ارساليـة مـع بعـض خواصكـم فـلا يسعـه الأمتناع. ففعل ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه وأغتبط به كثيرًا. وكان يترد إليه يومين في الجمعة وهما السبت والأربعـاء وأدرك منـه مأمولـه وواصلـه بالبـر و الأكـرام الزائـد الكثيـر ولـازم المطالعـة عليـه مـدة ولايتـه. وكـان يقـول: لـو لـم أغنـم مـن مصـر إلا أجتماعـي بهـذا الأستـاذ لكفانـي. وممـا أتفـق له لما طالع ربـع الدستـور وأتقنـه طالع بعده ))وسيلة الطلاب في أستخراج الأعمال بالحساب(( وهو مؤلف دفيـق للعلامـة الماردينـي فكـان الباشـا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقًا. فاتفق لـه عـدم المطابقـة فـي مسألـة مـن المسائـل فاشتغـل ذهنـه وتحيـر فكـره إلـى أن حضـر إليـه الأستـاذ في الميعاد فأطلعة على ذلك وعن السبب فـي عـدم المطابقـة فكشـف لـه علـة ذلـك بديهـا. فلمـا أنجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحًا وحلف أن يقبل يده ثم أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار. ثم أشتغـل عليـه برسـم المـزاول والمنحرفـات حتى أتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على ألواح ولاية عبد الله باشا وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى إسكندرية ونزل أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلـع إلـى القلعـة فأقـام في ولاية مصر إلى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصـر بقبـة العـزب وهـاداه الأمـراء ثـم سافـر إلـى منصبـه. ووصـل محمد باشا أمين فطلع إلى القلعة وهـو منحـرف المـزاج فأقـام فـي الولايـة نحـو شهريـن وتوفـي فـي خامـس شهـر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه. قصد نصارى القبط الحج إلى بيت المقدس وفي هذا التاريـخ أحضـر بطـرك الـأروام مرسومـا سلطانيـا بمنـع طائفـة النصـارى الشـوام مـن دخولهم كنائس الإفرنج وأن دخلوا فأنهم يدفعون للدولة ألـف كيـس فأرسـل إبراهيـم كتخـدا فأخذ أربعة قسوس من دير الإفرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغًا عظيمًا من المال. وأستمـر نصارة الشوام يدخلون كنائس الأفرانج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا. ومـن الحـوادث أيضـًا فـي نحـو هـذا التاريـخ أن نصـارى الأقبـاط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهـم إذ ذلـك نـوروز كاتـب رضـوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هديـة وألـف دينـار فكتـب لـه فتـوى وجوابـا ملخصـه أن أهـل الذمـة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم. فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل إغراضهم وخرجوا في هيئـة وأبهـا وأحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيًا عند قبـة العـزب وأحضـروا العربـان ليسيـروا فـي خفارتهـم وأعطوهـم أمـوالًا وخلعـًا وكسـاوي وأنعامـات. وشـاع أمـر هـذه القضيـة فـي البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبد الله الشبـراوي إلـى بيـت الشيـخ البكري كعادته وكان علي أفندي أخو سيدي بكري متمرضًا فدخل إليه بعوده فقال له: أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت كيف ترضى وتفتـي النصارة وتأذن لهم بهذه الأفعال لكونهم رشوك وهادوك. فقال: لم يكن ذلك. قال: بل رشـوك بألـف دينـار وهديـة وعلـى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بأزيد من ذلك ويصنعون لهم محملًا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم القيامة. فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظًا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فأجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمسـاوق ونهبـوا مـا معهـم وجرسوهـم ونهبـوا أيضـًا الكنيسة القريبة من دمرداش وأنعكس ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا أوغلي الثانية وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 وأستمر واليًا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم أوغلي وهي ولايته الثانية. وطلع إلـى سكندريـة ونزلـت إليـه الملاقـاة وأربـاب المناصـب والعكاكيـز. ثـم حضـر إلـى مصـر وطلـع إلـى القلعـة يـوم الأثنيـن غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فأحيا مكارم الأخلاق وأدر على رعيته الأرزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعًا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعًا. واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171. ذكر من مات في هذه الأعوام من العلماء والأعيان مات العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه لم يكن له أيراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئًا وينفق أنفاق من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة وإذا دخل الحمام دفع الآجرة عن كل من فيه. توفي سنة 1164. ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بـن يحيـى بـن حجـازي العشمـاوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيـخ عبـده الديـوي والشهـاب أحمـد بـن عمـر الديربـي وسمـع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهـاب أحمـد بـن عبـد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ عنه غالب فضلاء العصر توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة 1167 ودفي بتربة المجاورين. ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورًا بمعرفة فروع المذهب وأستحضار الفروع الفقهية. وكانت حلقة درسه أعظم الحلق وعليه مهابة وجلالة. توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168. ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشـار إليهـم ولـد سنـة 1078 بالنقيطـة إحـدى قـرى المنصـورة وقـدم الأزهـر فأخـذ عـن شيوخ المذهب كشاهين الأرمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالـي وأبـي الحسـن علـي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الأبياري شارح الكنز فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الخنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة. توفي سنة 1169. ومـات الشيـخ الإمـام الفاضـل الصالـح الشاعـر الأديـب عمـر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون وإلقى دروسا بالأزهر. توفي في رجب سنة 1167. ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسبون إلى القازدغلية. وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قريـة مـن قـرى المنوفية يقال لها الراهب. وكان خادمًا لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهـن ولـده عنـد الملتـزم وهـو علـي كتخـدا الحلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فأقاما ببيـت علـي كتخـدا حتـى غلـق أبـوه مـا عليـه مـن المـال و استلـم ابنـه ليرجـع بـه إلى بلده فامتنع صالح وألـف المقام ببيت الملتزم وأستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيهًا خفيف الروح والحركة. ولم يزل يتنقل في الأطوار حتى صار من أرباب الأموال وأشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والإيراد ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لأرباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلـة كتخـدا آت واختيارية وأمراء طلخانات وجاويشية وأوده باشيـة وغيـر ذلـك حتـى صـار مـن مماليكـه مـن يركـب فـي العـذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت وأتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافـذة وعـزوة كبيـرة. وكـان يركـب حمارًا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سـن السبعيـن ولـم يبق في فمه سن وكان قال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نـوادر الزمـن وكـان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك أنمحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم وبواقيهم لذهاب ما في أيديهم وصاروا أتباعًا وأعوانًا للامراء المتأخرين. ومات الأمير إبراهيم كتخـدا تابـع سليمـان كتخـدا القازدغلـي وسليمـان هـذا تابـع مصطفـى كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشًا وطلع سـر دار قطـار فـي الحـج فـي إمـارة عثمـان بـك ذي الفقـار سنـة 1153. وفـي تلـك السنـة أستوحش منه عثمان بك باطنًا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 152 نما ذكره وأنتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنقذ كلمته وكان ذا دهاء ومكـر وتحيـل وليـن وقسـوة وسماحـة وسعـة صـدر وتـؤدة وحـزم وأقدام ونظر في العواقب. ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الحلفي وخليل بك قطامـش عمـر بـك بسبـب منافسـة معـه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر علـى الصـورة المتقدمـة فعنـد ذلـك عظـم شأنـه وزادت سطوتـه وأستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الـذي كـان أغـات متفرقـة صنجقـًا وهـو أول صناجقـه وهـو الـذي عـرف بالجرجاوي. ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطـي ومحمـد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت أيضًا كائنة الخشاب وخروجه ومـن معـه مـن مصـر وزالـت دولـة القطامشـة والدمايطـة والخشابيـة وعزلـوا راغب باشا في أثناء ذلـك كمـا تقـدم فعنـد ذلـك أنتهـب رئاسـة مصـر وسيادتهـا للمترجـم وقسيمـه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم أنفصل عنها. وذلك كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكيه عليا وحسينًا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق. وأشتغل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الأنبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمه رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتدخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ أغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد. وأستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 167. وفـي تلـك السنـة نـزل علـى الحجـاج سيـل عظيـم بمنزلـة ظهـر الحمـار فأخـذ معظم الحجاج بجمالهم وأحمالهـم إلـى البحـر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل. ومما يحكى عنه أنه رأى في منامه أن يديه مملوءتـان عقـارب فقصهـا علـى الشيـخ الشبـراوي فقـال: هـؤلاء مماليـك يكونـون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس. فإن العقرب لدغت النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: لعن الله العقرب لا تدع نبيًا ولا غيره إلا لدغته وكذا يكون مماليكك. وكان الأمر كذلك وليس للمترجم مآثر أخروية ولا أفعال خيرية يدخرها في ميعاده ونخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم أجتهاده الحرص على الرياسة والإمارة عمر داره التـي بخـط قوصـون بجـوار دار رضـوان كتخـدا والـدار التـي ببـاب الخـرق هـي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضًا بمصر القديمة. والقصر الذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثيـر مـن مماليكـه نسـاء الأمـراء الذيـن ماتـوا وقتلـوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وأدرك المترجم من العـز والعظمـة ونفـاذ الكلمـة وحسـن السياسـة واستقـرار الأمـور مـا لـم يدركـه غيـره بمصر ولم يزل في ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعـد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميله حتـى أوقـع بينهمـا إبراهيـم كتخـدا كمـا تقـدم. ولمـا استقـرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام وأعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وأنشأ عدة قصور وأماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصًا داره التي أنشأها على بركة الأزبكية وأصلها بيت الدادة الشرايبـي وهـي التـي علـى بابهـا العامـودان الملتفـان المعروفـة عنـد أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والألوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنـى عليهـا قصـرًا مطـلًا عليهـا وعلـى الخليـج الناصـري مـن الجهـة الأخرى. وكذلك أنشأ في صدر البركـة مجلسـًا خارجًا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطـه بحيـرة تمتلـئ بالمـاء مـن أعلـى ويصـب منهـا إلـى حـوض مـن أسفـل ويجري إلى البستان لسقي الأشجـار. وبنـى قصـرًا آخـر بداخـل البستـان مطـلًا علـى الخليـج وعلـى الأعلاق من ظاهره. فكان يتنقـل في تلك القصور وخصوصًا في أيام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النسـاء ومخاليـع أولـاد البلـد. وخرجـوا عـن الحـد فـي تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للنـاس فـي أفاعيلهـم. فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما أهلها خلصـوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب. وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعـروف ببـاب العـزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الـآن. وقصدتـه الشعـراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيخ وأعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضًا فكان يغري هـذا بهـذا ويضحـك منهـم ويباسطهـم وأتخـذ لـه جلسـاء وندمـاء منهـم الشيـخ علـي جبريـل والسيد ليمان والسيد حمودة السدبدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الأرجوانية في المدائح الرضوانيـة ومحمـد أفنـدي المدنـي. وأمتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مقامة مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي. ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمه على إمارة مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شأن عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراح سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليـه. فيخلـص لـه بهـم ملـك مصر ويظن أنهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر عليه بخلـاف ذلـك كمـا ستـراه وهـم كذلـك ييظهرون له الأنقياد ويرجعون إلى رأيه ومشورته ليتم لهم به المراد. وكل من أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضًا بالبلدة أيضًا من الأكابر والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنـب وعلـي كتخـدا الخربطلـي وحسـن كتخـدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا واسمعيل كتخدا التبانة وعثمان أغا الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلـي أغـا توكلـي وعمـر أغـا متفرقـة وعمـر أفندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلـي وخليـل جاويـش القازدغلي وبيت الهياتم وإبراهيم أغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومطفى أفندي الشريف اختيارية متفرقـة وبيـت بلغيـه وبيـت قصبـة رضوان وبيت الفرح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا واسمعيل كتخدا وعلـي كتخـدا وذو الفقـار جاويـش واسمعيـل جاويـش وغيرهـم فأخـذ أتبـاع إبراهيم كتخدا يدبرون في أغتيال رضوان كتخدا وأزالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلـك فأتفق مع أغراضه ولمك القلعة والأبواب والمحمودية وجامع السلطان حسن وأجمع إليه كثير مـن أمرائـه وغيرهـم مـن أنضـم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا والاختيارية في أجـراء الصلـح وطلـع بعضهـم إلـى رضـوان نصحهـم لأنـه كـان سليـم الصـدر ففـرق الجمـع ونـزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلًا وملكوا القلعة والأبواب والجهات والمترجـم فـي غفلتـه آمـن فـي بيتـه مطمئـن مـن قبلهـم ولا يـدي مـا خبـئ لـه فلـم يشعـر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدًا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه أتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل لبيت الراحة فأصابته في ساقه وهرب مملوكه إلى الأخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده. فلمـا حضـر إليهـم وأخبرهـم بمـا فعـل أمر علي بك بقتله. ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في خاصتـه وخـرج مـن نقـب نقبـه فـي ظهـر البيـت وتألـم مـن الضربـة لأنهـا كسـرت عظم ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا داره ثم ركب وسار إلـى جهـة الصعيـد. فمـات بشـرق أولـاد يحيـى ودفـن هنـاك. فكانـت مدتـه بعـد قسيمـه قريبًا من ستة أشهر. ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وإنقضت دولتهما. فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والإقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخيـة والأحـوال مرضيـة واللحـم الضانـي المجـروم مـن عظمـه رطلـه بنصفيـن والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته بأربعين نصف فضة اللبن المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بألف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفًا واقل والرطل البن القهوة بأثني عشر نصفًا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والأردب والأرز أردبه بأربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفًا وشمع الدهن بأربعة أنصاف والفحم قنطاره بأربعيـن نصفـا والبصـل قنطاره بسبعة أنصاف وفسر على ذلك. يقول جامعه: أني أدركت بقايا تلـك الأيـام وذلـك أن مولـدي كـان فـي سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما ذكر إلا قليلًا وكنت أسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلـك فـي مبـادئ دولـة إبراهيـم كتخـدا وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولأعدائها قاهرة ويعيش رغدًا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق فـي مكـارم الأخلـاق لا توجـد فـي غيرهـم. أن فـي كـل بيـت مـن بيـوت جميـع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل رجالـي والثانـي فـي الحريـم. فيوضـع فـي بيـوت الأعيـان السمـاط فـي وقتي العشاء والغداء مستطيلًا في المكان الخارج مبذولًا للناس ويجلس بصدره أمير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه وأتباعه. ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلًا ويرون أن ذلك من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام أنتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصًا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن لـه حاجـة. فيطلبـه ويسألـه عـن حاجتـه فيقضيهـا لـه وأن كـان محتاجا واساه بشيء. ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والـزردة ويملـأون مـن ذلك قصاعًا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين. ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزرده. ويعطونهم بعد ذلك دراهـم ولهـم غيـر ذلـك صدفـات وصلـت لمـن يلـوذ فيهـم ويعرفـون منـه الأحتياج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشـو بالسكـر والعجميـة والشريـك علـى المدافـن والترب في الجمع والمواسم. كذلك أهل القرى والأرياف فيهم من مكارم الأخلاق ما لا يوجـد فـي غيرهـم مـن أهـل قرى الإقليم فإن أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولم لم يعرفه أجتهد وبـادر بقـراه فـي الحـال وبـذل وسعـه في أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينـزل عليهـم مـن السفـار والأجنـاد. ولهـم مساميـح وآطيـان فـي نظيـر ذلـك خلفـا عن سلف إلى غير ذلك ومات
|